"المرأة التي لا تضع عطرًا، ليس لها مستقبل."
"A woman who doesn't wear perfume has no future"
Coco Chanel - كوكو شانيل
قد تكون سمعت هذه الجملة قبل هذا، من فتاة أو امرأة تدافع عن كونها تتزين فقط لإرضاء نفسها لا لشيء آخر. وقد يبدو هذا الأمر غالبا عند الرجال كذبا مفضوحا، وأنّنا نتزين لغيرنا لا لأنفسنا، بل قد يبدو هذا قريبا من البدهي في ذهن أغلب الرجال. فهل في علم النّفس جواب عن هذا؟
في الحقيقة نعم، هناك دراسات كثيرة حول هذا في علم النفس التطوري والاجتماعي، وعامّة الدّراسات الجادّة المحكمة في الموضوع تجزم بأنّ الجملة خطأ لكن لا يلزم أن تكون كذبا! فأما كونها خطأ فلأنه حسب الدوافع التطورية مثلا نجد أن النساء يتزيّنَّ بشكل أكبر عندما يكنَّ في فترة التبويض، وهو الوقت الذي يزداد فيه احتمال الخصوبة، وتقل ّرغبتهنّ في التّزيّن خلال فترة الحيض. ويفسّر هذا السلوك على أنّه تطور لزيادة الجاذبية بهدف جذب شريك محتمل خلال هذه الفترة الزمنية. (1)، (2)
بل إنّ فترة التبويض تؤثّر حتى على نوع وكمية المنتجات الاستهلاكية للزينة التي تستخدمها المرأة ونوع الملابس التي تقرّر ارتداءها فتختار ملابس أكثر إغراء، ممّا يعزّز احتمال أنّها تتزين مدفوعة بالرغبة في جذب انتباه الرجال. (3)
وفي علم النفس الاجتماعي دراسات كثيرة تظهر كيف أنّ التزيّن يعدّ جزءًا من استراتيجيات الجذب الاجتماعي والاقتصادي (4).
في بعض التجارب الدراسية قامت كريستينا ديورانت وزملاؤها باختبار مجموعة من النساء، في فترة الإباضة وخارجها، وطلبن منهن أن يقمن برسم تخيلي للملابس التي سيرتدينها في حفلة اجتماعية معينة متخيلة. وتمّ رصد كون النساء في فترة الإباضة كانت ملابسهنّ أكثر كشفا وإثارة، وكذلك كانت ملابسهن التي تخيلن أنهن سيلبسنها في الحفلة المتخيلة أكثر إثارة بكثير، مع أنّ نفس هؤلاء النسوة قررن اختيار ملابس أكثر حشمة خارج فترة التبويض.
ثمّ في دراسة كارل غرامر في جواب أسئلة متعلّقة بإقامة علاقة مع شريك محتمل أو القيام بمواعدة شخص غريب، كنّ أكثر انفتاحا على التجربة منهنّ في الفترة الّتي هي خارج فترة التبويض.
دراسة ألمانية أخرى أكثر طرافة تمّ فيها حساب النسبة المئوية للأجزاء العارية المكشوفة من جسد الإناث في حانات العزاب في فترة التبويض من الدورة الشهرية وخارجها، وجد أنّ فترة التبويض تكون أكثر كشفا بالنسبة المئوية من الفترات خارج التبويض. وتمّ إعادة هذه الدراسة مرة أخرى على يد مارتي جي هاسلتون ومجموعة باحثين في جامعة كاليفورنيا لوس انجولس، ليتم التأكيد مرة أخرى على أنّ النساء ارتدين ملابس أكثر كشفا لأجسامهن في الأسفل والأعلى واخترن ملابس أكثر ملاءمة للموضة وأكثر أناقة في فترة التبويض منهن في الفترة خارج التبويض، بل وظهر فيه أيضا اختلاف بين سلوك من تملك شريكا بالفعل مع من لا تملكه، مما يزيد تأكيد فرضية كون العامل المؤثر هو البحث عن الشريك أو التشبّث به لا شيء آخر.
بل تمت دراسة أخرى حول نمط السلوك الاستهلاكي في الفترتين كذلك (فترة التبويض وخارجها) عبر برنامج محاكاة مصمم للشراء عبر الانترنت، حيث مالت النساء إلى زيادة الإنفاق على السلع التجميلية في فترة التبويض، واختيار الملابس الأكثر إثارة وجرأة، في حين يخالفن هذا النّمط للإنفاق على أشياء أخرى في الفترة خارج التبويض. ومن الطرائف أيضا أنّ الأمر ازداد دراماتيكية بشكل ملحوظ عند إخبارهن أنّ هناك منافسة جميلة وجذابة في الجوار.
فالمحصّلة أنّ النساء بوعي أو بغير وعي لا يتزيّنّ لأنفسهنّ بل للبحث عن شريك = هذه مسلّمة بحثية راجحة.
من أين جاءت فكرة الزينة لأنفسهنّ إذن؟
غالبا من جهة الشعور بالرّضا عن شكلها وجمالها وزينتها، فيقع الخلط بين السّبب والغاية، بمعنى أنّها حين تشعر أنّها قامت بجهد كاف يرضيها عن نفسها وتتوقع منه أن يزيد فرصها في البحث عن الشريك والظفر به، تتوهم أنّ ذلك الرضا عن نفسها هو غايتها في حين أنه السبب لشعورها لا الغاية، أما الغاية فقد سبق شرحها بوضوح.
فهو كما قالت عارضة الأزياء البرازيلية أدريانا ليما (Adriana Lima):
"المرأة يمكن أن تكون متألقة بالمكياج، ولكن الجمال الحقيقي يأتي من الثقة التي تشعر بها."
وهذا التداخل في مشاعرنا ليس أمرا نادرا بل هو كثير الحدوث بحيث لا نكون قادرين على تمييز مشاعرنا بطريقة سليمة، فإذا انضاف له الانحياز التّأكيدي عند مضايق الجدل والنقاشات (موضة هذه الأيام) صار أكثر إيهاما.
ومن باب التمثيل لهذه الجزئية الأخيرة نختم بنقل عجيب غريب في غاية التناقض الّي ما لنا إلّا السكوت عليه، عن رائدة النسوية سيمون دي بوفوار (Simone de Beauvoir) في كتابها The Second Sex وهي تقول لنا:
"المرأة تتزين لتؤكد لنفسها وللعالم أنها ليست مجرد جسد، بل كيان مليء بالأفكار والعواطف."!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): Miller, G., Tybur, J. M., & Jordan, B. D. (2007). "Ovulatory cycle effects on tip earnings by lap dancers: Economic evidence for human estrus?" - Evolution and Human Behavior, 28(6), 375-381.
(2): Haselton, M. G., & Gangestad, S. W. (2006). "Conditional expression of women's desires and men's mate guarding across the ovulatory cycle." - Hormones and Behavior, 49(4), 509-518.
(3): Durante, K. M., Griskevicius, V., Hill, S. E., Perilloux, C., & Li, N. P. (2011). "Ovulation, female competition, and product choice: Hormonal influences on consumer behavior." - Journal of Consumer Research, 37(6), 921-934.
(4): Griskevicius, V., Tybur, J. M., & Van den Bergh, B. (2010). "Going green to be seen: Status, reputation, and conspicuous conservation." - Journal of Personality and Social Psychology, 98(3), 392-404.